- الرئيسية
- الأخبار
- قصص من الحصار
- النفط مقابل الدماء
النفط مقابل الدماء
اليوم هو السابع عشر حسب التوقيت الدموي لحملة إبادة نصف مليون محاصر في غوطة دمشق..
اليوم حيث ينتهي التدوين بالتاريخ الهجري والميلادي وتكتب الأيام في غوطة الشام بالدماء وأعداد الشهداء من الأطفال والنساء والمقهورين،
في هذه الدقيقة التي استطعت أن أختلي فيها بنفسي لدقائق وأخرج من قاعة الجراحة أتخطى العديد من الأطفال والنساء الجرحى التي تصطف في الردهات تُغطّيها الدماء، وتتدلى من أجسادها النحيلة المدنفة التي ماذاقت طعاماً منذ أيام بقايا أطرافها الممزقة، والصرخات تعلو لتصل عنان السماء تناجي ربها تشكو إليه ظلم البشر كل البشر..
ظلم الإنسانية الكاذبة.. ظلم أئمة المساجد وقساوسة الكنائس.. ظلم القادة والملوك وأتباعهم من المصفقين والمطبلين.
أتجنب وأنا خارج أن تقع عيني بعين أحدهم لأنني لا أملك إلا عجزي وقهري أمام نظرات ألمهم لكنني أبصر بقلبي حرقة قلوبهم وأستمع لقرقرة بطونهم الجائعة وصوتها يعلو مع أنين جراحهم، لكن إحداهن استوقفتني وتمسكت بثيابي المدماة ورائحة البارود الذي يغلي في قلوب قادة العالم يفوح من جسدها الغضّ الطري.
إنها طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها غطّى وجهها النقي سوادٌ شديدٌ كسواد قلوب الكثير من أصحاب العمائم والصلبان الذين مازالوا يتحدثون عن نواقض الوضوء ورسائل السلام في ذات الوقت الذي تنتقض عرى إيمانهم في كل لحظة صمتٍ قذرٍ ومخزٍ عن المجازر التي تجري أمام أعينهم في غوطة دمشق.. وهل رسائل السلام والمحبة أوراق تكتب أم أفعال تجري لوقف تلك المذابح بحق الإنسانية كلها!
تلك الطفلة قالت لي وقد أحرقها برميل نفط ساقط عليها من السماء كلمة أذهلتني!!!
عمو ليش عم يحرقوني..؟
لماذا يحرقونك!!؟....، يارب.. بماذا أجيب
أجيبوني يا أصحاب براميل النفط
لماذا تسمحون بحرق أطفال غوطتنا
أجيبوني أيها الملوك الغارقون في ملذاتكم والمتراقصون بسيوفكم على أشلاء طفلتنا لماذا حرقت براميل نفطكم هؤلاء الأبرياء
أجيبوني أيها القادة المجتمعون في مجالس الأمن وجيوشكم التي تعد بمئات الآلاف عجزت كلها عن منع مجزرة بحق إنسانيتكم أو مجرد إدخال إبرة دواء وخيط جراحي أخيط به ما تبقى من ماء وجوهكم
لماذا تسمحون لهذه النيران أن تلتهم كل جميل في هذه الدنيا!؟
تعالو وأبصروا آبار الدماء في غوطة دمشق
صدقوني إنتاجها اليومي يغنيكم عن آبار نفطكم
أليست دماؤنا تدفع ثمنا لمصالحكم!؟
هاقد سددنا من تلك الدماء ما يفوق آبار نفطكم
تفضلوا.... في غوطتنا ما يجعل الصخر يبكي دماً
تعالو أبصروا معي بما تبقى من إنسانية في قلوبكم هؤلاء الأطفال والنساء وقد تمزقت أجسادهم واحترقت وجوههم
تعالوا استمعوا لقصص الأمهات تبكي فلذات أكبادها كلهم، أبصروا الأجنة التي استخرجتها اليوم لشظية أصابتها وهي في رحم أمها
هنا تجدون العشرات من الأسر تلتحف الدماء وتفترش الدماء وتبتلع الدماء وتبكي الدماء
هل يعقل أن يكون كل صمتكم لمجرد مصالح حقيرة!؟
كيف لكم أن تضموا أطفالكم ليلا!؟
كيف لواحدكم أن يستمتع بلقمة طعام وعلى بعد ثوان في جواله يبصر قوافل الجوعى ما ذاقت لقمة طعام منذ أيام وطعامها الواصل مغمس بالكثير من صمتكم وهوانكم
ألا تخشون يوما من خالقكم!؟
ألا تغلي مشاعر البشرية في شرايين أجسادكم أم أن الجاري في شرايينكم هو ذلك النفط الأسود فقط
ياليت أطفال غوطة دمشق ملكوه ربما كانت ستنتفض عروقكم
لن أطيل حديثي معكم لأنني أعلم يقينا أين ملجأي وإلى من أبث همومي لكنني مازلت مصراً أن أقيمها حجةً على إنسانيتكم
عجزت عن متابعة طريقي لأختلي بقلمي لأنني والله اشتقت لأبثه همومي لكن مشرطي في الأيام الماضية حرمني منه لهول الجحيم الذي نحياه
عدت إلى قاعة الجراحة ومعي تلك الطفلة لأضمد جراح إنسانيتكم عسى أن يأتي يوم وتشفى جراحكم لتنفّذوا وعد الله في غوطتنا لأن يقيننا أن فرجه قادمٌ شاء من شاء وأبى من أبى
سأخبركم قريباً عن مجد وسناء وغيرهم من أطفال غوطتي
لكن أنتم أخبروني عن إنسانيتكم التي زرعها الله في أرواحكم مالذي فعلته لأطفال غوطتنا.
بقلم الدكتور حسام عدنان - الغوطة الشرقية